الرئيسية / مقالات / الحجر الطوعي في البيت….عزلةٌ إيجابية

الحجر الطوعي في البيت….عزلةٌ إيجابية

إن مما يميز الإنسان قدرته على تحويل ما هو سلبي إلى إيجابي ، أن يجعل من الليمون الحامض شراباً حلو، أن ينظر في الخبرات السيئة ما قد تحتويه من خير .

إن دعوات المسؤولين والأطباء الآن لبقاءنا في بيوتنا للوقاية من العدوى من فيروس كورونا قد ينظر اليها الكثير من الأشخاص على أنها تجربة سيئة وسجنا إراديا. ولكن لوتمعنا جيدا ونظرنا بإيجابية لوجدنا أن الانسان يحتاج في مسيرة حياته في الوقت المعاصر المتسارع والمليئ بالضغوطات والأعمال لفترات يتوقف فيها برهة يستبصر فيها ذاته، خطواته، يجلس مع نفسه يُكلمها يُقيمها يُحاورها يستمع لأناتها، يتركها تُعاتبه تبكى في حضنه تشكوى ألمها وعدم تخصيص وقت لراحتها، نفسك تشتاقك، تتوق لتحادثك وحدك، تعالج آلامك وتنسج أحلامك، ترقع أجزائك، وتلملم نفسك وتداوي جراحك وآهاتك .

إن العزلة للنفس سكينة، لحظة لصفاء للروح ونقاء للقلب واسترخاء للجسم، فترة للتهذيب واستعاد للطاقتها، لحظة لإعادة ترتيب أوراق النفس وأفكارها.

إن أصل العزلة هو للعبادة من صلاة ومناجاة، وتفكر في أحوال الدنيا ومآلها وحقارتها وأننا مع ذلك متشبثون بها متوجسون عليها، إن للعزلة الإيجابية أو الخلوة مكان في سير الأنبياء والصالحين وما مكوث المصطفى صل الله عليه وسلم في غار حراء بخافٍ عنا.

إن العزلة منطلقٌ لكثير من حالات التفكير الإبداعي وهو ممهد كذلك لما يسمى في علم النفس الايجابي بحالة التدفق State of Flow وهي حالة من الإلهام والتركيز والشغف في تحقيق الأهداف والأعمال، وهو ما يعايشه العلماء والمفكرين والأدباء.

إن “من لا يستمتع بالعزلة لن يهوى الحرية”

في هاته الفترة من البقاء في المنزل إن لم تشغل نفسك بما هو ايجابي أشغلتك بما هو سلبي، فتتسرب إليك عوارض القلق والهلع من أخبار العدوى والشائعات، من هنا وهناك من القنوات التلفزيونية والفيسبوكية.

إغتنم هاته الفترة لتحقيق ما كنت تصبُ إليه سابقا وتتمناه، أهداف تقاعست على تحقيقها ولم تجد فرصة أو وقتا لتقوم بها أو تتعلمها بعذر أو آخر..الآن لك الوقت كل الوقت مع نفسك لا ينازعك أحد.

حدد أمنياتك وأهدافك التي تستطيع تحقيقها في هاته الفترة في شكل برنامج يومي هناك :- العبادة ( فالعبادة في الهرج كهجرة إلى المصطفى صل الله عليه وسلم كما في الحديث)- إستظهار وإسترجاع ما حفظته من القرآن ونسيته.- نفض الغبار عن مصفحك الذي هجرت تلاوته.- الإستغفار والإستغفار أجر ورفع للبلاء الذي حل بنا

– تعلم إحدى اللغات الأجنبية- كتابة مقالٍ علمي – التمكن من مهارة تقنية…

– الجلوس أكثر مع زوجتك وأبناءك مع مزيد من الحوار والإنفتاح والحب والحنان واللعب.

هناك الكثير والكثير مما قد تعمله وتُحققه.

إن من مؤشرات أن بقاءك في البيت هو العزلة الايجابية أنك بعد انتهاءك منها (وقريبا بإذن الله) أنك لا تحس بثقل الفترة السابقة وتجد أن وقتها لم يذهب سدا، وانك قبل العزلة وبعدها لست نفس الشخص وأن هناك تغيرٌ إيجابي حدث في نفسيتك، تفكيرك، سلوكك ومهاراتك.

ستكتشف بعد قضاءك لفترة العزلة انك كنت محروما منها سابقا وتتمنى أخذ أقساطا منا في فترات لاحقة متفرقة، ولكن بإذن في جو من الصحة والعافية علينا وعلى الجزائر


كتبه زعتر نورالدين
اليوم الثالث من Stay atHome#